المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار المقرر، والمرافعة، وبعد المداولة قانوناً:
أولاً: الطعن المقدم من المحكوم عليه الأول / ….:
من حيث إن المحكوم عليه الأول وإن قرر بالطعن بالنقض في الميعاد إلا أنه لم يودع أسبابا لطعنه ، ومن ثم يتعين عدم قبول طعنه شكلا .
ثانياً: الطعن المقدم من المحكوم عليهم الثاني والثالث والرابع :حيث إن الطعن قد استوفى الشكل المقرر في القانون .وحيث إن الطاعنين ينعون على الحكم المطعون فيه – بمذكرتي أسباب الطعن – أنه إذ دان الثاني والثالث بجريمة إجراء أعمال الحفر بقصد الحصول على آثار بغير ترخيص ، ودان الرابع بالاشتراك بطريقي الاتفاق والمساعدة في ارتكاب تلك الجريمة ، قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال والإخلال بحق الدفاع والخطأ في الإسناد ؛ ذلك بأن أسبابه جاءت في عبارات عامة معماة ومجملة لم يبن منها الواقعة المستوجبة للعقوبة بياناً كافياً تتحقق به أركان الجريمة التي دانهم بها في بيان مفصل جلي إذ خلا من بيان الأفعال والمقاصد التي أتاها الطاعنين ، وجاء قاصراً في التدليل على توافر أركان الجريمة التي دان الطاعنين بها مطرحاً بغير مبرر سائغ دفاعهم في هذا الخصوص ، ولم يدلل على توافر الاشتراك بين الطاعنين واتفاقهما على ارتكاب الجريمة ، واعتنق الحكم صورة غير صحيحة لواقعة الدعوى استمدها من أقوال الضابط وتحرياته رغم عدم معقوليتها مما ينبئ عن أن للواقعة صورة أخرى بخلاف ما جاءت بأقواله ، مما كان يجب معه عدم جواز التعويل على تلك الأقوال ، كما ارتكز على تحريات الشرطة واتخذ منها دليلًا أساسيًا في الإدانة على الرغم من أنها جاءت منقولة من مصدر مجهول كما أنها لا تصلح دليلاً لأنها لا تعبر إلا عن رأي صاحبها ، مطرحاً بما لا يسوغ الدفع بعدم جديتها ، مؤسسًا حكمه على رأى لسواه ، ودون أن تعنى المحكمة بإجراء تحقيق دفاعه باستدعاء مُجري التحريات ومصدره السري لمناقشتهما استجلاءً للحقيقة ، ونسب الحكم إلى الطاعن الرابع اعترافا بارتكابه الجريمة بالاشتراك مع باقي الطاعنين رغم أنه لم يعترف بها ، والتفت عن الرد – إيراداً ورداً – على دفوع الطاعنين بخلو الأوراق من دليل فني يقطع بأن مكان الحفر أثري، وبعدم وجود شهود رؤية ، وانتفاء صلة الطاعنين بالواقعة ، وانتفاء صلة الطاعن الرابع بأعمال الحفر لانعدام سيطرته المادية على المسكن محل الواقعة لكونه قام بتأجيره لآخرين ، والتفتت عن الرد عن هذه الدفوع منفردة ، مما يعيب الحكم بما يستوجب نقضه .
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعنين بها وأورد على ثبوتها في حقهم أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها ، وكان مجموع ما أورده الحكم كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة كان ذلك محققاً لحكم القانون ، فإنه ينحسر عنه دعوى القصور في التسبيب ويكون النعي على الحكم في هذا الصدد في غير محله . لما كان ذلك ، وكانت جريمة إجراء أعمال حفر بقصد الحصول على آثار بدون ترخيص المؤثمة بالمادة ٤٢ من القانون ١١٧ لسنة ١٩٨٣ المعدل بالقانونين ٣ لسنة ٢٠١٠ و٩١ لسنة ٢٠١٨ بشأن حماية الآثار إنما هي جريمة عمدية يتحقق القصد الجنائي فيها متى تعمد الجاني ارتكاب الفعل المنهي عنه بالصورة التي حددها القانون واتجاه إرادته إلى إحداث الحفر وعلمه بأنه يحدثه بغير حق وهو ما يقتضي أن يتحدث الحكم عنه استقلالاً أو أن يكون فيما أورده من وقائع وظروف ما يكفي للدلالة على قيامه ، وكان ما أورده الحكم في بيانه لواقعة الدعوى وأدلتها – وفي معرض رده على الدفع بانتفاء أركان الجريمة – يكشف عن توافر هذا القصد لدي الطاعنين وتتوافر به القيام بأعمال حفر بقصد الحصول على آثار بدون ترخيص بكافة أركانها كما هي معرفة به في القانون ، فإن النعي في هذا الصدد يكون غير سديد . لما كان ذلك ، وكان الاشتراك بالاتفاق إنما يتكون من اتحاد نيه الفاعل والشريك على ارتكاب الفعل المتفق عليه وهذه النية من مخبآت الصدور ودخائل النفس التي لا تقع عادة تحت الحس وليس لها أمارات ظاهرة ، كما أن الاشتراك بالمساعدة يتحقق بتدخل الشريك مع الفاعل تدخلاً مقصوراً يتجاوب صداه مع فعله ويتحقق به معنى تسهيل ارتكاب الجريمة الذي جعله الشارع مناطاً لعقاب الشريك ، وللقاضي الجنائي إذا لم يقم على الاتفاق أو المساعدة دليل مباشر أن يستدل على ذلك بطريق الاستنتاج والقرائن التي تقوم لديه ما دام هذا الاستنتاج سائغاً وله من ظروف الدعوى ما يبرره ، وكان الحكم في سرده لوقائع الدعوى ومؤدي أدلة الثبوت فيها قد أورد أن الطاعن الرابع اتفق مع باقي الطاعنين على القيام بأعمال الحفر الأثري بدون ترخيص وساعدهم بأن مكنهم من دخول مسكنه وإدخال المعدات اللازمة لإجراء أعمال الحفر فتمت الجريمة بناء على هذا الاتفاق وتلك المساعدة ، فإن الحكم إذ استخلص من ذلك اشتراك الطاعن الرابع مع الطاعنين من الأول وحتى الثالث بالاتفاق والمساعدة في ارتكاب جريمة إجراء حفر أثري بدون ترخيص ، فإنه يكون استخلاصاً سائغاً مؤدياً إلى ما قصده الحكم وينحل ما يثيره الطاعن الرابع في هذا الصدد إلى جدل موضوعي في تقدير الدليل مما تستقل به محكمة الموضوع بغير معقب . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أنه لا يقبل من أوجه الطعن على الحكم إلا ما كان متصلاً بشخص الطاعن وله مصلحة فيه ، فإنه يكون غير مقبول ما يثيره الطاعنان الثاني والثالث بشأن قصور الحكم في التدليل على الاشتراك في الجريمة التي دانهما بها وعدم استظهاره الأدلة عليه – والذي لم تُدنهما المحكمة به – إذ دانتهما والطاعن الأول باعتبارهم فاعلين أصليين ؛ بينما دانت الطاعن الرابع فقط بوصفه شريكاً في الجريمة مما لا شأن للطاعنين الثاني والثالث به ، فإن ما يثار في هذا الشأن يكون لا محل له . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها ، وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغا مستندا إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق ، وكان وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها الشهادة متروكا لتقدير محكمة الموضوع ، ومتى أخذت بشهادة شاهد فإن ذلك يفيد أنها اطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها ، ولما كانت المحكمة قد اطمأنت إلى أقوال الضابط وتحرياته وصحة تصويره للواقعة ، فإن ما يثيره الطاعنين من منازعة في صورة الواقعة بقالة أن لها صورة أخرى لا يكون له محل . لما كان ذلك ، وكان الأصل أن من يقوم بإجراء باطل لا تقبل منه الشهادة عليه ولا يكون ذلك إلا عند قيام البطلان وثبوته ومتى كان لا بطلان فيما قام به الضابط من إجراءات ، فإنه لا تثريب على المحكمة إن هي عولت على أقواله – ضمن ما عولت عليه – في إدانة الطاعنين ويكون النعي على الحكم – في هذا الشأن غير قويم . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن للمحكمة أن تعول في تكوين عقيدتها على ما جاء بتحريات الشرطة ما دامت قد عرضت على بساط البحث ، وكانت المحكمة في حدود سلطتها التقديرية قد اطمأنت إلى سلامة التحريات والإجراءات التي قام بها مأمور الضبط وصحتها ، وكان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن المحكمة لم تبن قضاءها بصفة أصلية على فحوى الدليل الناتج عن تلك التحريات وإنما استندت إليها كقرينة تعزز بها أدلة الثبوت التي أوردتها ، فإنه لا جناح على الحكم إن عول على تلك القرينة وأقوال مجريها تأييداً وتعزيزاً للأدلة الأخرى التي اعتمد عليها في قضائه ما دام لم يتخذ من تلك التحريات دليلاً على ثبوت الاتهام قبل الطاعنين ، كما أنه لا ينال من صحتها أن تبقى شخصية المرشد غير معروفة وأن لا يفصح عنها رجل الضبط القضائي الذي اختاره لمعاونته في مأموريته ، فإن ما ينعاه الطاعنين على الحكم من تعويله عليها ينحل إلى جدل موضوعي في سلطة محكمة الموضوع في تقدير أدلة الدعوى مما يخرج عن رقابة محكمة النقض . وكان الحكم المطعون فيه قد اطرح الدفع بعدم جدية التحريات استنادا إلى اطمئنان المحكمة إلى صحة تلك التحريات وجديتها ، وهو ما يعد كافيا للرد على ما أثاره الطاعنين في هذا الخصوص ، فإن منعاهم في هذا الشأن لا يكون له محل . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن الأحكام يجب أن تُبنى على الأدلة التي يقتنع منها القاضي بإدانة المتهم أو ببراءته صادراً في ذلك عن عقيدة يحصلها هو مما يجريه من تحقيق مستقلاً في تحصيل هذه العقيدة بنفسه لا يشاركه فيها غيره ولا يصح في القانون أن يدخل في تكوين عقيدته بصحة الواقعة التي أقام عليها قضاؤه أو بعدم صحتها حكماً لسواه ، وكانت المحكمة قد استندت في قضائها بالإدانة إلى أقوال شهود الإثبات وما ثبت من معاينة النيابة العامة وما ثبت من قرار اللجنة الدائمة للآثار المصرية واعتراف الطاعن الرابع بتحقيقات النيابة العامة ، فإنها تكون قد بنت حكمها عن عقيدة حصلتها هي بنفسها ولم يدخل في تكوين عقيدتها رأى لسواها ، ومن ثم فإن منعى الطاعن في هذا الشأن يكون غير مقبول . لما كان ذلك ، وكان البين من محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعنين لم يطلبوا إلى المحكمة سماع شهادة مجرى التحريات والمصدر السري تحقيقاً لدفاعهم ، فلا يصح لهم – من بعد – النعي على المحكمة قعودها على القيام بإجراء لم يطلبوه منها ولم تر هي حاجة لإجرائه ؛ ومن ثم ، فإن منعاهم في هذا الصدد لا يكون له محل . لما كان ذلك ، وكان يبين من الاطلاع على الصورة الرسمية من تحقيقات النيابة العامة – التي أمرت المحكمة بضمها تحقيقا لوجه الطعن – أن ما حصله الحكم من اعتراف الطاعن الرابع في التحقيقات له صداه وأصله الثابت في الأوراق ، فإن ما ينعاه الطاعن الرابع على الحكم بدعوى الخطأ في الإسناد في هذا الصدد لا يكون له محل . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن الأصل في المحاكمات الجنائية هو اقتناع القاضي بناء على الأدلة المطروحة عليه ، فله أن يكون عقيدته من أي دليل أو قرينة يرتاح إليها إلا إذا قيده القانون بدليل معين ينص عليه ، ولما كان القانون الجنائي لم يجعل لإثبات جريمة إجراء أعمال الحفر بقصد الحصول على آثار بغير ترخيص طريقا خاصا ، وكان لا يشترط أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى ، إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضا ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة ، فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حده دون باقي الأدلة بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه – كما هو الحال في الدعوى الحالية – ومن ثم فلا محل لما يثيره الطاعنون من خلو الحكم من الاستناد إلى دليل فني يقطع بأن مكان الحفر أثرياً ، لا يعدو أن يكون جدلا موضوعيا في تقدير أدلة الدعوى مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض ، هذا فضلًا عن أن الحكم قد عرض لدفاع الطاعنين في هذا الشأن واطرحه في منطق سائغ، ومن ثم فإن ما يثار في هذا الصدد لا يكون مقبولًا . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن القانون لا يشترط لثبوت جريمة إجراء أعمال الحفر بقصد الحصول على الأثر دون ترخيص والحكم على مرتكبها وجود شهود رؤية أو قيام أدلة معينة ؛ بل للمحكمة أن تكون اعتقادها بالإدانة في تلك الجريمة من كل ما تطمئن إليه من ظروف الدعوى ومتى رأت الإدانة كان لها أن تقضي على مرتكب الفعل المستوجب للعقاب دون حاجة إلى إقرار منه أو شهادة شاهدين برؤيته حال وقوع الفعل منه أو ضبطه متلبساً بها ، وكان الحكم قد عرض للدفع بعدم وجود شهود رؤية واطرحه بما يظاهر ذلك ، فإن ما يثيره الطاعنين في هذا الصدد لا يكون له أساس . لما كان ذلك ، وكان يبين من الاطلاع على محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعنين لم يدفعوا بانتفاء صلتهم بالواقعة ، وبعدم سيطرة المتهم الرابع على مكان الضبط ، وانتفاء صلته بأعمال الحفر، وكان من المقرر أنه لا يقبل من المتهم أن يطالب المحكمة بالرد على دفاع لم يبد أمامها فإن ما يثيره الطاعنين في هذا الصدد يكون على غير أساس . لما كان ذلك ، لما كان الحكم المطعون فيه قد أغفل القضاء على الطاعنين بعقوبة الغرامة المنصوص عليهما في المادة ٤٢ / ٣ بند ٢ من قانون حماية الآثار رقم ١١٧ لسنة ١٩٨٣ المعدل بالقانونين رقمي ٣ لسنة ٢٠١٠ و ٩١ لسنة ٢٠١٨ ، فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون ، إلا أنه لما كان الطاعنون هم المحكوم عليهم فقط ، فإن محكمة النقض لا تستطيع تصحيح هذا الخطأ ؛ لما في ذلك من إضرار بالطاعن ، إذ إن المقرر أنه لا يصح أن يضار الطاعن بناءً على الطعن المرفوع منه وحده . لما كان ما تقدم ، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً .
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة :
أولاً : بعدم قبول طعن الأول / …. شكلا .
ثانياً : بقبول الطعن المقدم من الباقين شكلا وفي الموضوع برفضه .