باسم الشعب
محكمة النقض
الدائرة الجنائية
الأحد ( أ )
المؤلفة برئاسة السيد القاضى / حمد عبد اللطيف نائب رئيس المحكمة
وعضوية السادة القضاة / خالد مقلد و محمد قنديل ومحمد غنيم و ماجد إبراهيم نواب رئيس المحكمة
وحضور رئيس النيابة العامة لدى محكمة النقض السيد / وليد عبد الشكور.
وأمين السر السيد / هشام عبد القادر.
في الجلسة العلنية المنعقدة بمقر المحكمة بدار القضاء العالي بمدينة القاهرة.
في يوم الأحد ١٠ من جماد أول سنة ١٤٤٤ ه الموافق ٤ من ديسمبر لسنة ٢٠٢٢ م.
أصدرت الحكم الآتي:
في الطعن المقيد بجدول المحكمة برقم ١٣٩١٤ لسنة ٩٠ القضائية.
المرفوع من:
… محكوم عليه
ضد
النيابة العامة
الوقائع
اتهمت النيابة العامة …. الطاعن في قضية الجناية رقم ١١١٦٤ لسنة ٢٠١٩ أول أسيوط (والمقيدة بالجدول الكلي برقم ٣٦٤٣ لسنة ٢٠١٩ جنوب أسيوط) لأنه في يوم ١٨ من سبتمبر لسنة ٢٠١٩ – بدائرة قسم أول – محافظة (أسيوط): –
– قام بأعمال بناء علي أرض متاخمة لأثر ( مسجد المجاهدين الأثري ) دون ترخيص من هيئة الآثار وذلك علي النحو المبين بالأوراق .
وأحالته الي محكمة جنايات أسيوط لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة .
وقضت المحكمة المذكورة بتاريخ ١٥ من أغسطس سنة ٢٠٢٠ حضورياً وعملاً بالمواد ٢٠ / ٤،٣،١ ، ٢٢ ، ٤٠ / ٢ ، ٤٣ ، ٤٤ من القانون ١١٧ لسنة ١٩٨٣ بشأن حماية الآثار والمعدل بالقانون رقم ٩١ لسنة ٢٠١٨ ، مع إعمال المادة ١٧ من قانون العقوبات بمعاقبته بالحبس مع الشغل لمدة ستة أشهر وبتغريمه مائة ألف جنيه لما نسب إليه .
فطعن الأستاذ / …. المحامي بصفته وكيلاً عن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض في الأول من سبتمبر لسنة ٢٠٢٠ ، وأودعت مذكرة بأسباب الطعن في ٢٩ من أغسطس لسنة ٢٠٢٠ موقعاً عليها من الأستاذ / …. المحامي .
وبجلسة اليوم نظرت المحكمة الطعن حيث سمعت المرافعة على النحو المبين بمحضر الجلسة.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد القاضي المقرر والمرافعة وبعد المداولة قانوناً.
حيث إن الطعن استوفى الشكل المقرر في القانون.
وحيث إن الطاعن ينعي علي الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة البناء على أرض متاخمة لمنطقة أثرية بدون ترخيص قد شابه القصور في التسبيب ، والفساد في الاستدلال ، والإخلال بحق الدفاع ؛ ذلك بأنه لم يورد مؤدى أدلة الإدانة بصورة وافية ، وأحال في بيان مؤدى أقوال شاهدي الإثبات الثاني والثالث إلى ما قرره شاهد الإثبات الأول ، وعوّل في الإدانة علي أدلة غير يقينية مستنداً إلى أقوال شهود الإثبات رغم أنهم لم يروا الواقعة ولم يجزم أياً منهم بارتكابه لها ولم يحددوا كيفية التعدي على الحرم الأثري والشروط والمسافة التي كان يتعين عليه مراعاتها ونسبوا له ملكية المبني رغم أنه مملوك لوالده بإقراره والمستندات التي قدمها ، واتخذ من تحريات المباحث دليلاً أساسياً في الدعوى رغم عدم جديتها وصلاحيتها كدليل إدانة ، واطرح بما لا يسوغ دفعه بانتفاء القصد الجنائي لديه ، وأغفل الرد علي ما ساقه من شواهد مدعمة بالمستندات للتدليل على نفي التهمة ، وأورد في مدوناته وأخطأ في بيان تاريخ صدور خطاب الإدارة الهندسية وقرار هيئة الآثار وتاريخ حدوث الواقعة ، وهو ما يعيبه ويستوجب نقضه .
وحيث إن الحكم المطعون فيه بيّن واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة البناء على أرض مُتاخمة لمنطقة أثرية بدون ترخيص من الجهة الإدارية المختصة التي دان الطاعن بها وساق على صحة الواقعة وإسنادها إليه أدلة استقاها من أقوال شهود الإثبات ، وما ثبت بمعاينة لجنة الآثار وبكتاب الإدارة الهندسية بحي غرب أسيوط ، وأورد مؤدى كل دليل منها في بيان واف وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلي ما رتبه الحكم عليها وجاء استعراض المحكمة لهذه الأدلة على نحو يدل على أنها محصتها التمحيص الكافي وألمت بالواقعة وبأدلتها إلماماً شاملاً ، ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن في هذا المقام لا يكون صائباً . لما كان ذلك ، وكان الحكم قد أورد تفصيلاً أقوال شاهد الإثبات الأول وكان لا يعيب الحكم أن يحيل في بيان أقوال الشاهد إلى ما أورده من أقوال شاهد آخر مادامت أقوالهما متفقة فيما استند إليه الحكم منها ، وكان الطاعن لا يجادل في أن أقوال الشاهدين الثاني والثالث متفقة مع أقوال الشاهد الأول التي أحال عليها الحكم ، فإن ما يثيره في هذا الشأن يضحى غير مقبول . لما كان ذلك ، وكان الشارع لم يقيد القاضي الجنائي في المحاكات الجنائية بدليل معين إلا إذا نص على ذلك بالنسبة لجريمة معينة وإنما ترك له حرية تكوين عقديته من أي دليل يطمئن إليه مادام له مأخذه بالأوراق ، وكان ما يثيره الطاعن في شأن خلو الأوراق من دليل على ارتكاب الواقعة والتعويل على أدلة غير يقينية لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها مما لا شأن لمحكمة النقض به ولا يثار أمامها . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه وهي متي أخذت بشهادتهم فإن ذلك يفيد أنها اطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها ، كما لا يشترط في شهادة الشاهد أن تكون واردة علي الحقيقة المراد إثباتها بأكملها وبجميع تفاصليها على وجه دقيق بل يكفي أن يكون من شأن تلك الشهادة أن تؤدي إلي هذه الحقيقة باستنتاج سائغ تجريه محكمة الموضوع يتلاءم به ما قاله الشاهد بالقدر الذي رواه مع عناصر الإثبات الأخرى المطروحة أمامها ، وأنه لا يشترط أن تكون الأدلة التي يرتكن إليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة فلا ينظر إلي دليل بعينه لمناقشته على حده دون باقي الأدلة بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلي ما قصده الحكم منها ومنتجة في اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى أقوال شهود الإثبات واقتناعها بحدوث الواقعة على الصورة التي شهدوا بها ، فإن ما يثيره الطاعن من منازعة في تصديقها لأقوال شهود الإثبات أو محاولة تجريحها ينحل إلي جدل موضوعي في تقدير الدليل وهو ما تستقل به محكمة الموضوع ولا تجوز مجادلتها فيه أو مصادرة عقيدتها بشأنه أمام محكمة النقض . لما كان ذلك ، وكان البين من الحكم المطعون فيه أنه لم يستند في الإدانة إلى دليل مستمد من تحريات الشرطة وإنما أقام قضاءه على أقوال شهود الإثبات وضابط مباحث قسم الآثار وما ثبت من معاينة اللجنة وكتاب الإدارة الهندسية بحي غرب أسيوط وأن ما ورد بأقوال الضابط في شأن التحريات إنما هو مجرد قول للضابط يخضع لتقدير المحكمة التي أفصحت عن اطمئنانها إليه فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد يكون في غير محله . لما كان ذلك ، وكانت جريمة البناء على أرض متاخمة لمنطقة أثرية بدون ترخيص من الجهة الإدارية المختصة هي جريمة عمدية يتحقق القصد الجنائي منها من تعمد الجاني ارتكاب الفعل المنهي عنه بالصورة التي حددها القانون ، واتجاه إرادته إلى إقامة البناء وعلمه بأنه يقيمه بغير حق وهو ما يقتضي أن يتحدث الحكم عنه استقلالاً وأن يكون فيما أورده من وقائع وظروف ما يكفي للدلالة على قيامه . لما كان ذلك ، وكان ما أورده الحكم في بيانه لواقعة الدعوى وإيراده لأدلة الثبوت فيها وفي معرض رده على الدفع بانتفاء القصد الجنائي يكشف عن توافر هذا القصد لدى الطاعن وتتوافر به جريمة البناء على أرض مُتاخمة لمنطقة أثرية بدون ترخيص من الجهة الإدارية المختصة بكافة أركانها كما هي معرفة له في القانون وكان ما ورد به الحكم على الدفع بانتفاء القصد الجنائي كاف وسائغ، فإن ما يجادل فيه الطاعن في هذا الشأن لا يكون مقبولاً . وكان من المقرر أن الدفع بعدم ارتكاب الجريمة من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستأهل – في الأصل – رداً طالما كان الرد عليها مستفاداً من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم إذ بحسب الحكم كيما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه أن يورد الأدلة المنتجة التي صحت لديه على ما استخلصه من وقوع الجريمة المسندة إلى المتهم ولا عليه أن يتعقبه في كل جزئية من جزيئات دفاعه لأن مفاد التفاته عنها أنه اطرحها ، لما كان ذلك ، وكان ما يثيره الطاعن من التفات الحكم عن دفاعه المؤيد بالمستندات لنفي ارتكاب الجريمة المنسوبة إليه وعدم مسئوليته عن أعمال البناء وعدم تواجده في تلك الفترة وأن المسكن مملوك لوالده وانتفاء صلته بالجريمة المسندة إليه لا يعدو أن يكون جدلاً في تقدير الدليل وفي سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها وهو مالا يجوز إثارته أمام محكمة النقض ، ومع ذلك فقد عرض الحكم المطعون فيه لهذا الدفاع واطرحه برد كاف وسائغ ، ومن ثم يضحى منعاه في هذا الصدد على غير محل . لما كان ذلك ، وكان الخطأ في الإسناد لا يعيب الحكم مالم يتناول ما يؤثر في عقيدة المحكمة ، وكان الاختلاف في تاريخ صدور خطاب الإدارة الهندسية وقرار هيئة الآثار على النحو المشار إليه بسبب الطعن – بفرض حصوله – لا أثر له في عقيدة المحكمة ولا في منطقه واستدلاله، فإن نعي الطاعن على الحكم في هذا الشأن يكون في غير محله . لما كان ذلك، وكان خطأ الحكم في تاريخ الواقعة – بفرض حصوله – لا يؤثر في سلامته مادام أن هذا التاريخ لا يتصل بحكم القانون فيها ، ومادام الطاعن لم يدع أن الدعوى الجنائية قد انقضت بمضي المدة . لما كان ما تقدم ، فإن الطعن برمته يكون علي غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً .
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة: بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع برفضه.